الطبيعة المتغيرة للهجمات الإلكترونية نتيجة زيادة استخدام العملات الرقمية المشفرة

تتمتع دولة الإمارات العربية المتحدة بمكانة راسخة كمركز عالمي للتكنولوجيا والابتكار، خاصًة مع تصاعد الاهتمام العالمي بتكنولوجيا البلوكشين Blockchain والعملات المشفرة .Cryptocurrency

ومع ذلك، نتيجة للتطور المستمر في الأعمال التجارية، وارتفاع شعبية العملات الرقمية المشفرة، صاحب ذلك حدوث تغييرات على مختلف الأصعدة، أبرزها الهجمات السيبرانية التي تستهدف المؤسسات والشركات والأفراد. في الوقت الذي يتزايد فيه تبنى دولة الإمارات للعملات الرقمية المشفرة، فإنها تواجه تزايدًا موازيًا في التهديدات السيبرانية التي تطورها الجهات الفاعلة الخبيثة. وبالتالي، ومعنى ذلك، إذا أرادت الدولة أن تجني فوائد المعاملات اللامركزية والمشفرة رقمياً، يجب عليها أن تظل يقظة تجاه التهديدات المتطورة من المتسللين السيبرانيين.

تشكل الطبيعة اللامركزية للعملات المشفرة، والتي ترجع إلى عدم وجود تحكم مركزي فيها، تحديًا فريدًا. حيث تفتقر العملات المشفرة إلى سلطة مركزية تتحكم فيها. لنفترض أن شخص ما سرق الرمز السري الذي تستخدمه للوصول إلى عملتك المشفرة، فلن تتمكن من استرداد أموالك. على عكس الأنظمة المالية التقليدية، التي تتوفر فيها آليات اللجوء إلى سلطة القانون. في كثير من الأحيان، فإن التصميم الأساسي للعملات المشفرة يضع المسؤولية بشكل رئيس على عاتق المستثمر.

كما يمثل رمز التشفير - المفتاح الخاص الذي يوفر الوصول للعملات المشفرة – عنصر مهم مهم جدًا في تأمين أموالك. إذا حصل المتسللون السيبرانيون على هذا المفتاح، فلا توجد وسيلة للاسترداد تقريبًا. ولعل هذا ما يجعل الاستثمار في العملات المشفرة أكثر خطورة من الاستثمار في الأشياء العادية، مثل السندات أو الأسهم. بخلاف مشكلة سرقة الرموز، تتيح العملات المشفرة إمكانية إخفاء الهوية، الأمر الذي يعزز من قدرة المتسللين السيبرانيين على المطالبة بدفع الفدية في هجمات برامج الفدية. كل هذه الأمور تبرز الحاجة الملحة لتعزيز تدابير الأمن السيبراني في دولة الإمارات العربية المتحدة.

استراتيجية التكنولوجيا المشفرة في الإمارات العربية المتحدة

تمثل العملات المشفرة سلاحًا ذا حدين في الإمارات العربية المتحدة، حيث تقدم مزايا متعددة؛ مثل زيادة الوصول إلى الخدمات المالية، زيادة الخصوصية، والمعاملات اللامركزية. والجدير بالذكر، أن حكومة الإمارات العربية المتحدة قد تبنت بشكل استباقي دمج العملات المشفرة وتكنولوجيا بلوكتشين في قطاعات مختلفة من الدولة، مثل الخدمات اللوجستية، والعقارات، والتمويل. وقد تم إطلاق هذه المبادرات من قبل سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم - ولي عهد دبي ورئيس المجلس التنفيذي لإمارة دبي- ولعل أبرزها: استراتيجية دبي للتعاملات الرقمية "البلوكتشين"، وهي نتاج تعاون بين مؤسسة دبي للمستقبل و ومكتب دبي الرقمية..

تم إطلاق استراتيجية دبي للتعاملات الرقمية (بلوكتشين) بهدف استكشاف وتقييم أحدث الابتكارات التقنية التي تساعد على توفير خدمات آمنة وأكثر كفاءة وفعالية، لتحقيق الريادة التكنولوجية والابتكار الرقمي. تهدف هذه الاستراتيجية إلى استخدام إمكانات تقنية بلوكتشين لتوليد فرص اقتصادية كبيرة في مختلف قطاعات المدينة. وتعزز الاستراتيجية سمعة دبي كمدينة رائدة عالميًا في مجال التقنية، ولتصبح رائدة في مجال الاقتصاد الذكي، الذي يدعم ريادة الأعمال والقدرات التنافسية العالمية. إن التنفيذ الناجح للاستراتيجية سيضع دولة الإمارات العربية المتحدة بين أوائل الحكومات التي تطبيق تكنولوجيا بلوكتشين على مستوى العالم.

التهديدات السيبرانية المدفوعة بالعملات المشفرة

أدت العملات المشفرة إلى ظهور هجمات برامج الفدية، من خلال السماح بتحويل الأموال غير المشروعة مباشرًة إلى مَحافظ العملات الرقمية. بصرف النظر عن إمكانية إخفاء هوية المستلم، فإن هذه المَحافظ تجعل جهود الاسترداد صعبة. باستخدام العملات المشفرة، يمكن للمتسللين السيبرانيين نقل ملايين الدولارات كفدية عبر الحدود الوطنية في ثوانٍ معدودة، وبدون آثار للجريمة.

لا تزال هجمات برامج الفدية تشكل تهديدًا كبيرًا في دولة الإمارات العربية المتحدة. ووفقًا لدراسة عالمية،تعرضت 77٪ من مؤسسات الدولة، مثل مؤسسات الرعاية الصحية، والبنية التحتية الحيوية، وحتى الشركات الصغيرة، لهجمات برامج الفدية خلال السنوات الأخيرة. ولكنها شهدت تراجعًا في بداية عام 2023، لتصل لنسبة 70 %.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن للمتسللين السيبرانيين التنكر بالبرمجيات الخبيثة على أنها منصات تبادل العملات الرقمية والمشفرة الرسمية، أو المَحافظ، أو عروض العملات الأولية (ICOs) ، لخداع المستخدمين للكشف عن معلومات سرية، مثل بيانات تسجيل الدخول، والمفاتيح الخاصة. ولإحباط مثل هذه التهديدات، تمثل حملات التثقيف والتوعية أمرًا محوريًا، خاصًة في ظل تزايد رغبة المستخدمين في تحقيق الأرباح السريعة من العملات المشفرة، والتي تجعلهم أكثر عرضة لعمليات الاحتيال.

منذ وقت قريب، خسرت إحدى الضحايا في الشارقة أكثر من مليون درهم درهم في عملية احتيال على العملات الرقمية المشفرة، بعد أن تعرفت على أحد المتسللين السيبرانيين عبر تطبيق واتسابWhatsApp . خدع المتسلل الضحية لاستثمار 12,000 دولار في منصة تداول العملات الرقمية المشفرة، وبعد تحقيق بعض العوائد، قامت الضحية بتحويل 200,000 دولار إضافية، لتكتشف لاحقًا أنها كانت تتداول من خلال منصة مزيفة للعملات الرقمية المشفرة، مصممة لخداع المستثمرين، وجعلهم يعتقدون أنهم يحققون عوائد كبيرة بخلاف الحقيقة.

سبل حماية المستقبل الرقمي لدولة الإمارات العربية المتحدة

يتطلب التوجه نحو العملات الرقمية المشفرة، وما يصاحبها من موجة الهجمات السيبرانية الجديدة، إلى نهج متعدد الجوانب للأمن السيبراني، لحماية المشهد الرقمي الذي يتغير بسرعة، ولذا يجب توظيف الاستراتيجيات التالية:

1. التدريب والتعليم

مع انتشار تكنولوجيا البلوكشين والعملات الرقمية المشفرة، يجب أن يتعامل الجميع بحذر، وخاصًة الأفراد الذين يمتلكون مَحافظ شخصية، لأنه نظرًا لطبيعة العملات الرقمية المشفرة، بمجرد سرقة الرمز الخاص بك، لا توجد طريقة لاستعادة أموالك.

لذلك، هناك حاجة لزيادة الوعي بين كافة أفراد ومؤسسات الدولة، وليس فقط الشركات والهيئات والمنظمات الحكومية. تسعى دولة الإمارات العربية المتحدة لزيادة قدرتها على شراء أصول حقيقية باستخدام العملات الرقمية المشفرة، وتتوسع في ذلك لتشمل أبسط المعاملات المالية؛ مثل شراء وجبة طعام. هذه الخطوة الهائلة حتى تؤتي ثمارها، لابد أن يسبقها توعية للأفراد بشأن ما يعنيه ذلك، ليكونوا جزءً فعالًا منه.

2. تمكين وتوعية المستخدم

هناك حاجة للتدريب على التهديدات السيبرانية الشائعة ,أفضل الممارسات، وتحديد المخاطر الاحتيالية المحتملة، لضمان منع الهجمات0 يجب تعليم الأفراد أفضل الطرق لتجنب عمليات الاحتيال، مثل عدم مشاركة المعلومات الشخصية، أو التعامل مع الرسائل والمكالمات المجهولة.

بالإضافة إلى ذلك، يُنصح باستخدام منصات التبادل الرسمية المعتمدة من قبل الهيئات المالية في الإمارات العربية المتحدة، والتي يمكن التحقق من مصداقيتها من خلال بعض الهيئات؛ مثل: سوق أبو ظبي العالمي(ADGM) ، و سُلطة دبي للخدمات المالية (DFSA) كذلك، ومع زيادة الجرائم الإلكترونية ، تم تشكيل قسم جرائم الأصول الرقمية في شرطة دبي دبي للتعامل مع قضايا العملات المشفرة.

يشدد الخبير طارق محمد - رئيس قسم جرائم الأصول الرقمية في القيادة العامة لشرطة دبي - على الأفراد بضرورة مراعاة إجراءات التأمين، من خلال البقاء على تمكين المصادقة الثنائية ذات العاملين لكافة الحسابات الشخصية.

3. الاستثمار في الأمن السيبراني

يجب على القطاعين الخاص والعام تخصيص الموارد الكافية لتعزيز البنية التحتية للأمن السيبراني، مثل خطط الاستجابة للحوادث، والتدقيق الأمني الدوري، وأنظمة الكشف والحماية. يتمثل عنصر الخطورة الأساسي في عمليات العملات الرقمية المشفرة في أنها عبر الإنترنت، وأن طبيعتها المجهولة يمكن أن تؤدي إلى الاحتيال. وهناك العديد من الوقائع على ذلك، ففي 2021 ، خسر ضحايا الاحتيال ما يصل إلى إلى 80 مليون درهم إماراتي من عمليات الاحتيال المرتبطة بالعملات الرقمية المشفرة.

4. المشاركة والتعاون في مجال أمن المعلومات

الإطار المنظم لمشاركة المعلومات المتعلقة بالتهديدات بين خبراء الأمن السيبراني والشركات والجهات الحكومية هو أمر حاسم، لمواجهة التهديدات السيبرانية المتطورة بشكل فعال. يجب على الجهات التنظيمية في الإمارات العربية المتحدة مواصلة التأكيد على أهمية التعاون ومشاركة المعلومات مع مختلف الجهات، والتركيز على أهمية التوجيه بشأن أفضل الممارسات، لا سيما مع الجهات المتخصصة، مثل: سوق أبو ظبي العالمي (ADGM) وسُلطة دبي للخدمات المالية ((DFSA، والتي تقدم أيضًا إرشادات وأدوات عبر الإنترنت لمساعدة الكيانات على الالتزام بالتشريعات الأمنية.

لقد تزعمت دولة الإمارات العربية المتحدة حقبة جديدة من النمو الاقتصادي والابتكار، من خلال تبنيها لتقنية البلوكشين والعملات الرقمية المشفرة. ومع ذلك، فإن هذا التحول يحمل تحديات جديدة، ظهرت على شكل هجمات سيبرانية متطورة، تستفيد من الخصائص المميزة للعملات الرقمية المشفرة. يمكن لدولة الإمارات العربية المتحدة ضمان مشهد رقمي آمن ومأمون للخصوصية، على الرغم من التهديدات السيبرانية الناشئة، من خلال الاستثمار في الحلول التكنولوجية، وسن تدابير ولوائح صارمة، ونشر ثقافة الوعي بالأمن السيبراني.

مقالات ذات صلة

سايبر هيرو

عصر التكنولوجيا الرقمية أتاح فرصًا غير مسبوقة للتواصل، ولكن في المقابل، أدى إلى زيادة الهجمات السيبرانية. يمكن لتهديدات الأمن السيبراني، مثل اختراق البيانات، هجمات برامج الفدية، وعمليات التصيد الاحتيالي، أن يكون لها عواقب وخيمة على كافة الأصعدة، بدءً من الحياة الشخصية للمواطنين، الأعمال التجارية للشركات، وحتى البنية التحتية الحيوية للدولة. هدفنا هو سد الفجوة بين التقدم التكنولوجي والجاهزية للأمن السيبراني، من خلال توفير حلول تعليمية فعالة ومؤثرة.

المقالات المفضلة
المقالات المهمة