نظرا لأن الشركات في دولة الإمارات العربية المتحدة تتبنى تقنيات متقدمة، مثل الذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء، والبلوكشين، والأنظمة السحابية، فإنها تواجه تحديات كبيرة، نتيجة زيادة جرائم القرصنة الإلكترونية التي تتسبب في خسائر مالية ضخمة، بجانب تعطيل العمل في هذه الشركات أثناء الهجمات وبعدها.
لحسن الحظ، يوفر التأمين السيبراني الحماية المالية ضد الهجمات السيبرانية. ونظرًا لهذه الفوائد وغيرها التي تتيحها وثيقة التأمين للعملاء، شهدت الإمارات العربية المتحدة ارتفاعًا ملحوظًا في عدد الشركات التي تعتمد هذه الاستراتيجية كجزء من خطة التأمين السيبراني الخاصة بها.
ما هو التأمين السيبراني؟
وفقًا لتقرير صادر عن مركز أبحاث سوق التأمين السيبراني في دولة الإمارات العربية المتحدة، فإن التأمين السيبراني عبارة عن: "منتج تأمين متخصص، يغطي المسؤوليات التجارية للمخاطر المستندة إلى الإنترنت، التي تنطوي على معلومات حساسة للعملاء، ويساعد المؤسسات على تقليل فرص تعطل وتضرر الأعمال أثناء الهجمات وبعدها".
في الوقت الحاضر، تقوم المؤسسات بشكل متزايد بشراء وثائق التأمين السيبراني المناسبة، لحماية أنفسهم من الهجمات السيبرانية المتكررة والمتطورة، التي تستهدف الشركات من جميع الأحجام والصناعات. في هذه الحالة، يعهد حاملو وثائق التأمين إلى أطراف أخرى، لتغطية الخسائر التي تنشأ عن الاختراقات، الانتهاكات، تدمير البيانات والنظام، الابتزاز، وهجمات حجب الخدمة.
بشكل عام، تقدم وثائق التأمين السيبراني تغطية للخسائر بالطرق التالية:
- تغطية الخسائر المالية المباشرة، أو الخسائر المالية للطرف الأول، سواء كانوا أفراد أو شركات، الناشئة عن هجوم سيبراني.
- الحماية من الدعاوى القضائية المرفوعة ضد الأفراد أو الشركات، بسبب انتهاكات الخصوصية أو الأمان، بما في ذلك التحقيقات، تكاليف الدفاع، التعويضات، والأضرار المدنية.
- الابتزاز السيبراني الناتج عن الهجمات السيبرانية، ولكن ينبغي التأكيد على أن دفع فدية مالية للمتسللين السيبرانيين مقابل فك تشفير المعلومات والبيانات والأنظمة المخترقة يكون الإجراء الأخير الذي يتطلب تدخلاً من السلطات الحكومية.
- الحماية من الأضرار التي تلحق بالأصول الرقمية، مثل المواقع الإلكترونية.
استنادًا إلى فوائد وثيقة تأمين المسؤولية عن مخاطر التهديدات السيبرانية، يجب على المؤسسات التجارية الاتجاه نحو تفعيل واعتماد هذه الوثيقة، للتقليل من مخاطر الأمن السيبراني. للحصول على الخدمة ستحتاج إلى تأمين التغطية الائتمانية، لمعالجة وتخزين ونقل المعلومات السرية. بالإضافة إلى ذلك، يعد التأمين السيبراني ضروريًا مع نمو الطلب العالمي والمحلي على خدماته، خاصًة بالنسبة للشركات التي تستخدم التكنولوجيا والإنترنت على نطاق واسع في الأعمال التجارية.
حالة التأمين السيبراني في دولة الإمارات العربية المتحدة
يشير تقرير صادر عن مركز أبحاث سوق التأمين السيبراني في دولة الإمارات العربية المتحدة ، إلى أن سوق التأمين السيبراني سيشهد نموًا بمعدل سنوي مركب (CAGR) يبلغ 25.6 % بين عامي (2023 – 2028). هناك توقعات بأن تحظى دبي والشارقة وأبو ظبي بالحصة التسويقية الأكبر خلال فترة التوقعات. ومن المتوقع أيضًا أن تنمو إيرادات قطاع التأمين السيبراني بمعدل 10% سنويًا، لتصل إلى 10.6 مليار دولار في عام 2025.
تمثل الشركات الكبرى الحصة الأكبر من سوق التأمين السيبراني، بسبب البيانات الحيوية الضخمة المخزنة في أماكن العمل أو في البيئات السحابية. من ناحية أخرى، هناك اعتماد متزايد لسياسات التأمين السيبراني من قِبَل الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تواجه عددًا متزايدًا من الهجمات السيبرانية. فعلى عكس الشركات الكبرى، تفتقر الشركات الصغيرة والمتوسطة إلى الموارد اللازمة للحصول على خدمات الأمن السيبراني المتخصصة، أو لوجود ميزانيات كافية لتطوير أنظمة تكنولوجيا المعلومات.
يشيع استخدام التأمين السيبراني في قطاع الخدمات المالية والتأمين (BFSI) والقطاعات ذات الصلة بالتعاملات المالية الضخمة. تشمل القطاعات الأخرى العملاء في مجالات؛ تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، توليد الطاقة، الرعاية الصحية، تجارة التجزئة، والدفاع. ومن المؤكد أن هذه القطاعات تشتمل على معلومات سرية للعملاء، والتي يعتبرها المتسللون السيبرانيون جاذبة لهم. يستحوذ قطاع الخدمات المالية على الحصة الأكبر في سوق التأمين السيبراني، حيث أن الاستخدام المتزايد للخدمات المصرفية عبر الهاتف المحمول والإنترنت يجعلها أكثر عرضة للهجمات. وإلى جانب قطاع الخدمات المصرفية، يؤدي استخدام قطاع التجزئة لوسائل الدفع عبر الإنترنت إلى زيادة الطلب على وثائق التأمين التي تعزز ثقة العملاء.
ولعل من أبرز الشركات الرائدة عالميًا في مجال الأمن السيبراني؛ شركة لويد وأكسا، أليانز، بيركشاير هاثاواي، ساينس سوفت، سيف شير، أسيكورازيوني جنرالي، بوليسي جينيوس، وميونيخ ري.
المحركات الرئيسة لتطوير قطاع التأمين السيبراني في دولة الإمارات العربية المتحدة
1. هجمات إلكترونية متكررة ومتطورة.
تمثل الزيادة في عدد الهجمات السيبرانية العامل الرئيس في هذا التطور، حيث تتطلب الامتثال للقوانين والضوابط الخاصة بالأمان، خاصًة في ظل الانتشار السريع للإنترنت، ودمج التكنولوجيا المتقدمة في الأعمال التجارية، والاعتماد على الحوسبة السحابية في تخزين البيانات الضخمة، وبالتالي زادت المخاطر المرتبطة بالأنشطة عبر الإنترنت. الأمر الذي يحتم اعتماد طريقة لإدارة المخاطر، أو تحميل مسئولية إدارتها لشركات التأمين.
2. تعزيز استراتيجيات تكنولوجيا المعلومات في الأعمال التجارية
بالإضافة إلى ذلك، تحرص أغلب الشركات اليوم على تدعيم كياناتها عبر الإنترنت، من خلال خدمات التسوق الإلكتروني، والخدمات المصرفية عبر الهواتف المحمولة والإنترنت. حتى القطاع الصحي، أصبح يتجه بقوة نحو تخزين البيانات الخاصة بالمرضى في السجلات الطبية الإلكترونية(EMRs) ، مما يزيد من مخاطر انتهاكات البيانات والخصوصية في كافة القطاعات.
3. زيادة الرقابة التنظيمية
تمر دولة الإمارات العربية المتحدة بمرحلة تطوير، تتطلب سن التشريعات والقوانين الصارمة لحماية البيانات. يشكل القانون الاتحادي لحماية البيانات الشخصية إطارًا متكاملًا لضمان سرية المعلومات، وحماية خصوصية الأفراد في دولة الإمارات العربية المتحدة. يمكن للشركات الحصول على وثائق تأمين سيبرانية للتغطية في حالة فرض عقوبات إدارية بسبب انتهاك الأحكام التنظيمية.
4. التغيرات في البيئة السياسية
كشأن جميع دول الخليج العربي، أصبحت دولة الإمارات العربية المتحدة هدفًا للهجمات السيبرانية المدعومة من قِبَل الجهات الفاعلة في الدول الأخرى. مع تصاعد الحوادث السيبرانية التي تستهدف معلومات الشركات والبنية التحتية الحيوية، يمكن للمؤسسات الإماراتية الاستثمار في وثائق التأمين السيبراني لتحمل مسؤولية الهجمات، والتغطية المالية بعد الهجوم.
في الوقت نفسه، أدت الحرب الروسية الأوكرانية إلى زيادة احتمالية حدوث هجمات سيبرانية مدعومة من الدول الأخرى، تستهدف البُنى التحتية الحيوية، الشركات، والعمليات العسكرية. يقول أمريت دامي محلل جلوبال داتا GlobalData : "أن مثل هذه الهجمات ستؤدي إلى مدفوعات مكلفة، وتلحق ضررًا بسمعة الشركات التي تتردد في الدفع".
5. الهجمات السيبرانية في المنطقة
الهجمات السيبرانية تمثل تهديدًا كبيرًا في دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث تعرض عدد كبير من الشركات لهجمات خلال العام الماضي. ومع وجود وثيقة تأمين سيبراني، يمكن لضحايا الهجمات السيبرانية الحصول على تعويضات تغطي الخسائر خلال فترة توقف الأعمال التجارية، أو تكاليف استرجاع البيانات، أو الابتزاز، أو تكاليف التعاقد مع خبراء أمان خارجيين للمساعدة في استرجاع البيانات والمعلومات.
تحديات التأمين السيبراني في دولة الإمارات العربية المتحدة
تتطلب وثائق التأمين السيبراني من الأفراد والشركات دفع أقساط مكلفة نظير الخدمة، الأمر الذي يمكن أن يعيق نمو مجال التأمين السيبراني على نطاق واسع.
وعلى الرغم من ذلك، تراعي شركات التأمين التي تقدم وثائق التأمين السيبراني تنفيذ الحلول التالية، للتغلب على بعض التحديات:
- الذكاء الاصطناعي في التأمين السيبراني: تدمج شركات التأمين قدرات الذكاء الاصطناعي، والتعلم الآلي، لتعزيز كفاءتها في التنبؤ الدقيق بالهجمات السيبرانية.
- تقنية البلوكشين: تقليل خصائص التقنية الجديدة فرص الهجمات السيبرانية والاحتيال الإلكتروني، حيث تعزز الطبيعة اللامركزية والثابتة للتقنية ثقة وتجربة العملاء، من خلال إتاحة وصول جميع الأطراف إلى نفس المعلومات. هذه الإمكانات تسرع الفصل في التسويات والمنازعات والمخالفات التأمينية.
- خدمات الدعم الإضافية: بجانب توفير تغطية لنفقات ومسؤوليات الهجوم السيبراني، يمكن لمسئولي التأمين في دولة الإمارات العربية المتحدة تقديم خدمات الدعم، مثل التخطيط الوقائي، خدمات الاستجابة للانتهاكات، ودعم ما بعد الاختراق.
من الواضح أنه في ظل تبني الشركات الإماراتية لاستراتيجيات الرقمنة المبتكرة، فإن هذا سيجعل منها أهدافًا مُربحة للهجمات السيبرانية. ونتيجة لذلك، يجب على مسئولي التأمين السيبراني الاستمرار في إجراء البحوث التطويرية الشاملة، ووضع السياسات المتخصصة، لمواجهة المتطلبات المتزايدة للعملاء.